16 فبراير 2014

بندقية الشاه.. بندقية الأصولية.. الحالة الإيرانية


مقالي المنشور اليوم في جريدة الوادي لقراءة المقال هناك اضغط على الرابط  هنا 


بعد عصر ديكتاتوري، يظهر من يحاول القيام بدور المنُقذ \المُخلّص, حينها يقع الشعب في ديكتاتورية أكبر. الشعب يجعل من الوافد الجديد منقذاً وربما يجعله ظل الله على الأرض. هذا ما حدث مع "آية الله الخميني" في إيران، الذي جاء بعد ثورة شعبية تضافر فيها التيار الليبرالي واليساري والشيوعي والإسلامي والشعب بطوائفهِ ضد الشاه "محمد رضا بهلوي" الذي كان شبه ديكتاتور بالمقارنة بما أتى بعده.

بداية يجب التعرف على المجتمع الإيراني وهو مجتمع له خصوصيته بإسلامه الشيعي والذي يعتبره الإمتياز الأول له قبل حقبة البترول, وعندما تولى الحكم "رضا بهلوي" والد "محمد رضا بهلوي" قرر أن يبدأ في زمرة اصلاحات اعتبرها بعض الشعب تغريب للهوية وأعتبرها الإسلاميين المُتعطشين للسُلطة مبرراً لمعارضته , فـ أجبر النساء على خلع الشادور بالإكراه وجعل الشرطة تخلعه بالقوة من على رؤوس النسوة, و رفع سن الزواج من 9 سنوات للفتاة ليصبح 16 سنة, وكثيراً من الإصلاحات التي تُشبه مافعله أتاتورك في تركيا لكنه اخطأ لأنه تعاطف مع هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية لتغزو بريطانيا و الاتحاد السوفياتي بلاده و يتم نفيه و منح حكم البلاد لـ ابنه "محمد رضا بهلوي" الذي وعى الدرس و قرر أن يُصبح تابعاً للغرب و على رأسهم "أمريكا" فأكمل مشروع والده بفرض قوانين لحقوق الأقليات الدينية و المساواة بين حقوق الرجل والمرأة, وقوانين تسمح للمرأة برؤية أبنائها بعد الطلاق, و كل تلك القوانين لم يتم تفعيلها على أرض الواقع لكنها جعلت "الخميني" يبدأ بشن معارضة قائمة على أفكار أن الشاه يعمل على تغريب هوية الوطن وأنه "يزيد" العصر, و مازاد الطين بلة قوات "السافاك" التي تدربت بإشراف أمريكي وكانت تُسكت قوى المعارضة بعمليات قتل مُدبرة و كان يُكفي المقتول أن يصرح بأن القوانين لا تتيح للمرأة الحرية فعلياً فيختفي من الحياة ببساطة, حتى الكُتب كانت تمر على الرقابة ويُمنع كل مافيه إشارة للشيوعية والفساد و الظلام, على سبيل المثال لا الحصر رواية مثل "الأخوة كارامازوف" أو "الأم", من وجدت معه نُسخة من أي كتاب ممنوع اعتقله "السافاك" ولم يُعلم عنه شيئاً, الشعب كان يخاف التحدث همساً والظاهر للعالم أن "إيران" دولة حديثة وغنية لكن الحقيقة أن 85% من الشعب فقراء وأميون, والأموال في يد العائلة المالكة والأمريكيين الذين يعملون كمستشارين للشاه ويتقاضون أربعة آلاف مليون دولار سنوياً وكل العاملين منهم حتى في حقول البترول لديهم حصانة دبلوماسية وقضائية، حتى أن الخميني قال مرة أنه "لو قتل كلب أمريكي في إيران فسيحاكم أحدهم لكن لو قتل الشاه في أمريكا فلن يحاكم أحداً", في عام 1971 حلت ذكرى مرور 2500 عام على قيام الدولة الفارسية فدعيت شخصيات عربية وأجنبية إلى الحفل الذي ظل قائماً لمدة ثلاثة أيام وتم صرف 40 مليون دولار، و كان الطابخون من فرنسا، والكافيار والأطعمة و المشروبات  ظلت الطائرات الحربية تحضرها من فرنسا ودولٍ أخرى لمدة 6 أشهر.
 لم يعد هناك سوى الحزب الحاكم "رستاخيز" أي "البعث" وألغيت كل الأحزاب وكان لزاماً على كل إيراني بالغ الإنتساب فيه ودفع الرسوم و إلا ستتولى "السافاك" أمره.
في سبتمبر 1978 قامت مظاهرات بعدما حظر الشاه المظاهرات وأعلن الأحكام العرفية وقُتل يومها 87 طالب, حينها ظهر الشاه على شاشة التلفزيون ليقول "لقد سمعت نداءكم وها أنا معتذر إليكم,سأفعل ما تأمرون وهاأنا أمد يدي لرجال الدين العظماء ليساعدوني في حل مشاكل البلاد", وهكذا وقع (الشاه) ليعلن الإسلاميون أن الآلاف ماتوا, واستمرت المظاهرات حتى يناير 1979 حينما غادر الشاه إيران بعدما تخلت عنه أمريكا _خلال رئاسة كارتر_ و تم حل السافاك وانتهت تلك الحقبة بتهليل الشعب في الشوارع لاعتقاده أنه حصل على حريتهِ أخيراً.

عاد الخميني إلى إيران بعد سنوات المنفى وكان الشعب يراه "المقدس" و"المُنقذ", و شَكّلَ حكومة واعتبرها "حكومة الله" ومن يعصاها فقد عصى الله, حينها كانت كل التيارات على الساحة الإيرانية _الدينية والليبرالية والشيوعية واليسارية_ , بدأ الخميني في خطبه اليومية بمهاجمة الأمريكيين الذين عاثوا في البلاد فساداً على الرغم أن الخميني عاد لإيران، بعد تغير السياسة نحو الشاه الذي كان مصاباً بالسرطان وولي العهد أصغر من أن يحكم فمُررت السُلطة للخميني، بموافقة أمريكية _وحكم كقيادة روحية_ , التناقض كان واضحاً لأن المعاهدات الأمريكية لم تُلغى وكان بعضهم موجوداً كمستشارين في الحكومة، وكانت الإجابات غير مقنعة, ثم حدثت أزمة الرهائن الأمريكيين الشهيرة وانتهى شهر العسل بين الخميني وأمريكا بقصد عن طريق مرتزقة الخميني.

دون محاكمات فعلية، أعدم الخميني كل الجنرالات الكبار من عصر الشاه, ثم أعدم 200 من كبار المسئولين, وحتى من هربوا تم اغتيالهم في الخارج, ثم أعلن الخميني أنه لا يجوز استخدام مصطلح "ديموقراطية" لأنه من الغرب,وحينما تم اغتيال 78 من حكومته لم يفطن الشعب حينها لمعنى مقولته "أن إيران أكثر بلاد العالم استقراراً ولا تضعضع هذه الاغتيالات الجماعية نظامه" لكن الحقيقة أن الزمرة الحاكمة لم تكن من الموالين له وقد عينهم كمرحلة ثم انتهى منهم وقد وجب اغتيالهم.

أغلق الصحف والمجلات التي تنتقده, واستنكر المظاهرات التي عارضته, ووضع رموز المعارضة تحت الإقامة الجبرية, وأُغلقت الجامعات لمدة عامين لاعتبارها من معاقل اليسار وتم تنقيتها من المعارضين للنظام الديني وتم فصل 20 ألف مُعلم و8 آلاف ضابط بتهمة أنهم متغربين أكثر من اللازم, ومن تمت محاكمتهم تم مصادرة أموالهم وأموال المنتسبين لهم بصلة قرابة من الدرجة الأولى وذويهم ومن له صلة قرابة بهم. وحينما قامت مظاهرات للمعارضة في عام 1981 هدد الخميني بإعدامهم بتهمة "الردة" إن لم يتوبوا.
لقد أعدمت المحاكم الثورية قرابة 40 ألف شخص وتم إعدامهم فوراً , وحكمت على أكثر من 25 ألف بالسجن , وصادرت أموال مايقارب من 45 ألف شخص و أقاربهم. وتم استبدال "السافاك" بـ "الحرس الثوري" الذي لا يقل دموية بأي حال من الأحول وقد دربه اسرائيليون وتم استيراد الأسلحة من اسرائيل. كان من المعتاد أن يتم مداهمة منزل أحدهم لأنه يقيم حفلا مختلطا للأقارب واعتقالهم، واضُطهدت الأقليات وأصبحت تداهم المنازل ليتم اعتقال من يقيمون طقوس لا يرضى عنها مرشد ثورتهم فتم قتل 200 من البهائية وسجن آخرين ومنعهم من فرصهم في الوظائف والتضييق عليهم, وفقدت كل حقوق المرأة التي حصلت عليها جزئياً أيام الشاه وتم فرض ارتداء "الشادور" إلزامياً وأصبحت هناك شرطة الآداب التي تتأكد من ارتداء "الشادور" بصورة صحيحة وعدم ظهور أي جزء منها.

وهكذا بين بندقية الشاه وبندقية الاصوليين، وقعت إيران.