25 أغسطس 2009

ماسكرا.. (فوضى)



مياه مندفعة ، غزيرة ، تغرقني تماماً ، فتثير غيظي بشكل لافت ، وتستوجب مني الكثير من الجهد كي لا أصرخ في وجوههم ، موبخة إياهم على إفسادهم شعري ، الذي خرج للتو من تحت يد كوافيري باهظ الثمن . أحاول قمع غضبي الناجم عن تلويث الماسكرا لخديّ بشكل مثير للضحك ، بينما أتخيلني بعينين متنمرتين يقفزُ السخط منهما ، وأشعر بأسناني تصطك ببعضها بقوة ، فتحدث صوت طرقعة مسموعة ، ويرتجف جسدي كله ليعلن اعتراضهُ على أوامر عقلي بالثبات .


في سخط يتحرك الجمع ، أو يثبتون في أماكنهم ، أو يفترشون الأرض ، منهم من يتقافز في وجه المياه ، أو يعطيها ظهره ، أو يفر هرباً من قوتها ، لكن الحقيقة التي أعلمها وحدي أن سخطهم لا يرقي لسخطي ، فالمياه المندفعة التي تُشعل الغضب و لا تطفئهُ على الإطلاق ، لطخت خديّ بالماسكرا ، وبللتْ شعري .
لا أعلم يقيناً من ابتدع هذه الفكرة الحمقاء لفض الجموع..! لا بد أنهُ أحد كارهي النظام جدا ، لكن ما ذنب مكياجي في كل تلك الفوضى التي أصابتهم..!
تمتليء أذنيّ بصرخات عالية ، و أصوات معترضة ، وضوضاء غارقة في مياه غزيرة مازالت تحممنا . كم أنثى مثلي غضبت على فوضى مظهرها؟ كم رجل تحسّر على بذلته الوحيدة التي يوفرها للمناسبات الهامة؟ فضلاً عن الاوراق والنقود المبتلة .
ربما من اخترع هذه الطريقة كان يود إلحاق أضرار مالية تجعل محدودي الدخل ، أو معدوميه ، يكفون عن فعل ذلك مرة أخرى ، أتُرى أصاب ؟!
خط بارليف المنيع قضوا عليه بالمياه المندفعة ، فما بالنا ببعض المهمشين المنكسرين!
لا يهمني كل ذلك ... فليذهب هؤلاء المنكسرون الحالمون إلى الجحيم . بنطلوني الجينز صار مبللاً، وبلوزتي التصقت بصدري ، ويجب أن أعبر للشارع الآخر حيث ينتظرني رجل كبير يعشق البنات الجميلات . لو تأخرتُ أكثر من ذلك سينتابه القلق ، سيهاتفني علي موبايلي بغضب . ألتفتُ حولي فلا أجد مخرجاً ، حتي السماء اختبأت خلف سحابة مارقة ، وأعلن الليل عن نفسه في وسط النهار . تواتيني رغبة شيطانية لأمسك أحد خراطيم المياه وأفرقُ بها هؤلاء الحمقي . ما سبب المظاهرة ؟ سألتُ أحد الواقفين بجواري ، فنظر إليّ مدهوشاً كأنني أهنته ، وأدار وجهه للجانب الآخر ليسأل جاره ، الذي نظر في صمت وظل يهذي بحروف لا تشكّل كلمات. سألت آخر ، فابتسم لي ببلاهة وأشار بيده إلي خديّ الملطخين بالأسود ، ولم يُجب .
حاولتُ المرور بين الحشود ، فلمحتُ أحدهم يرتدي كاباً به رسمة لرجل وسيم له شارب يرتدي قبعة عليها نجمة ، سألته عنهُ ، أجابني بأنه جيفارا ، رمز الثورة في كل مكان . رد آخر متحسّراً علي أيام جيفارا وأمثاله ، فتذكرتُ شعري المبلل من نبرة الحسرة في صوته. لم يكن هناك كوافيرات باهظة الثمن مثل الآن ، فكّرتُ وواصلتُ إقتحامي .
كانت المياه تأتيني من جانبي الأيمن بكثافة . ما ذنبي أنا في أن مكتب الرجل الكبير ، الذي يحب البنات الجميلات ، يقع في احدي بنايات حي عريق ، أقصد كان عريقاً حينما كانت الحياة تحتمل ابتسامة صافية لا إصطكاك أسنان .
أذهب إليهِ كي أكون إحدي البنات في مكتبه الفخم ، بنت جديدة حلوة يمتص حلاوتي مغلفاً أوراقي في ملف أنيق يحمل رقماً في أرشيف الموظفات . هو رجل طيب ، يوظف البنات الحلوة التي يمتصها ، لم يُلق يوماً بواحدة إلى الشارع الذي كان عريقاً دوماً ، بإستثناء قليلات أُلقي بهن لأنهن حالمات جدا ، حلمن بأكثر من رقم في أرشيفه !
خرجتُ من بين الصفوف بمعجزة ، لكنني الآن مبللة و ناقمة . الماسكرا لا زالت تسيل بسوادها الفاحم على خديّ ، ورغم أن المياه توقفت عن اغراقي ، إلا أن دموعي تهرب مع رنات موبايل يرتجف في بنطلوني الجينز .

***
تم قراءة القصة و مناقشتها على البرنامج الأوربي مع د\سحر الموجي يوم الثلاثاء 6 أكتوبر 2009

18 أغسطس 2009

الفانوس الأحمر!



منذ ألف عام لم أنم كالأطفال
طفولتي رحلت مني دون عودة
تاركة بقايا الحنين بلون الأرق
....


أحمرٌ كان ذلك (الفانوس) الأول في حياتي, أحملهُ في كفي دون مشقة تُذكر

لم أعلم حينها أنني يجب أن أُلقي تعاويذي بصوتي الطفولي الحاد و المزعج في آنٍ واحد , لأصنع أسطورتي الخاصة مع فانوسي
لكنني لم أعرف تلك الكلمات حينها التي تصنع أساطير الأطفال!


ليس قلة معرفة مني , لكنني ما يطلقون عليه ابنةُ الرجال, إنني طفلة أبي الوحيدة و المتشبهة بهِ حد النفور و المشاكسة, تربيتُ كأنثى تمنّوا يوماً في سرهم أن تكون ذكراً, لذا كنتُ دوماً أتصنع أنني رجلاً كبيراً لأتساوى بأبي, تناسيت أنني أنثى ..و لم أفطن _سوى متأخرا_ أن طفولتي أيضاً منسية.
كانت هدايا أبي دوماُ أشياء جادة, تُشبههُ كما تشبه ما تصّنعتهُ, لم يعتقد يوماً أن هدايا الأطفال ستثير فرحتي

لذا جاء أول فانوس متأخراً
كنتُ في الثامنة من عمري!
و حينها لم أخيب أفكار أبي, لأنني بكل بساطة لم تُصبني أي فرحة أو دهشة بذلك الشيئ الأحمر الذي يضيئ
كانت تنقصني الطفولة و التعاويذ!

..
كان من الممكن أن أعلم تلك العادات من هؤلاء الأطفال حولي,
لكن أبي أطلق اسماً يليق بتشبثي بوحدتي
القط النفور
نعم .. كنتُ أبتعد جدا عن البشر أو احتمالات وجودهم, لذا جاء الفانوس الأحمر دون تعويذته!
...

مؤخرا حصلت على أنوثتي عندما أصابني العشق, لأطلب بتمرد طفولي أنثوي من حبيبي أن يُهديني فانوساً أحمر اللون ليس كبيراً كي أستطيع أن أحملهُ في كفي و اشترطتُ عليه كمن يتحايل على الزمن بأن يكون ذلك الأحمر لا يرقص .. لا يغني .. و لا يفعل تلك الأشياء العجيبة التي تخص زمننا الحالي!

لأنني قررتُ أن أمسك فانوسي الأحمر
و بصوتي الذي مازال مزعجاً أتلو تلك التعويذة بعدما أهداها لي العمر الفائت

حالو يا حالو
رمضان كريم ياحالو
حل الكيس و ادينا بقشيش
لنروح ما نجيش يا حالو!