15 ديسمبر 2009

تأملات


--> -->
البدايات لا تحمل في باطنها بداية مكتملة أبداً, فـــ هل ستلقي أوامرك للحياة أن تبدأ من جديد فتستجيب لك؟

هناك أشياء أكبر منك, الحياة ذاتها بوجهها غير الدال على أي شيئ أكبر منك , ربما تغتر يوماً بنفسك و تعتقد أنك قادر على قول عبارة إلهية مثل كن فــ يكون , لست مؤهلاً ببشريتك أن تفعل ذلك مهما أخبرك ذلك الصوت الهامس أنك تستطيع أن تفعل كل شيئ , حينما تعتقد أن ذلك المولود المغمض العينين بين يديك هو بداية الحياة التي ستشكلها بأفكارك _ التي بإعتقادك_ أنها خلّاقة تناسب حياة جديدة دون أي أخطاء , فأنت مًخطئ لأنك انسان ..
في تأمل وجه الحياة تجد أن هناك تشابهاً بينها و بين الجمجمة الخالية مما يغطيها , الفارغة , الحياة لا تبتسم , لا تغمز , لا تهمس , و بالطبع لا تستمع , لا يوجد على محياها تعبير محدد كالجمجمة تماماً , أرأيت يوماً جمجمة غاضبة؟ مبتسمة؟ , هي غامضة بالنسبة لنا لأنها لا تحمل تعبيراً انسانياً نفهمهُ ..
و هكذا هي الحياة , غامضة جداً , ماأن تعتقد بأن الحياة أصبحت صديقة لك حتى تجد أنك كنت على قدر من السذاجة لا ينكرهُ أحد , الحياة لا تصادق أحداً , فـ لا تعاملها كابنتك البكرية القريبة من قلبك و لا حتى كعدوتك اللدود , كل ما يمكنك فعله أن تتأمل ما يحدث منها حتى لو معك ..
بعضهم سيشير عليك بخلطة سحرية من ذلك العطار المشهور حتى يسعد بك قرينك و ربما توسط للصلح بينك و بين الحياة , لكن من فضلك لا تصدقهم , لن تنعم بحياة هادئة و رائعة أبداً , أنت لست في الجنة , أنت مازلت في تلك الحياة التي هي المرحلة الأولى قبل انقسام الجنة و النار . نعم , أنت هنا تتقلب بين الجنة و النار , لا جنة خالصة و لا نار خالصة , مرحلة النضج لم تأتِ بعد , يجب أن تمر بتلك التجربة ربما تنضج و تستحق أن تعيش في مكان لهً طباع ثابتة , جنة أو نار .
و ليس من حيثيات التجارب أن ترحمك , فـــ القسوة في باطنها رحمة , لذا حاول أن تنضج قبل انتهاء تجربتك الخاصة ..
ليس يئساً ما أتحدث عنهُ , لكن نضج في التعامل , فـ حينما تستغرب أن يحدث شيئا لم يحدث معك من قبل في توقيت ليس توقيته بالمرة , و حينما يأخذك ذلك الحدث إلى طريق لا ذنب لك فيه , من فضلك لا تتذمر , ربما كانت تلك الطريقة الوحيدة لكي تأخذ مساراً آخر ربما يتفق معك بعد حين..
الانهيار ليس من الأشياء الجيدة على الإطلاق , لأن الإنهيار و الشد العصبي يأخذك لطريق نعرفه جميعا من هؤلاء الأطباء الذين يعالجون الأعصاب و القلوب و ينظمون معدلات السكر و الضغط , دوماً ما كنت أفكر أن الخيارات الممنوحة لنا هي اختيار داخل اجبار , لقد أُجبرت على طريق بعينه لكن أمامك عدة اختيارات في كيفية تجاوز ذلك الأمر و هنا تتفرع الطرق حقاً , في اجتيازك يكمن الاختيار
و هكذا تسير الحياة..!
The painting: The Starry Night by Vincent Van Gogh


-->

04 ديسمبر 2009

الموت متسللاً



يأتي الموت متسللاً دوماً..


ديسمبر 2005


بهدوء أتى الموت لي, لأصبح بكل بساطة يتيمة الأب في ليلة و ضحاها

دون مقدمات , فقط رحيل سريع , منذ أربعة أعوام أحاول التخلي عن حكاياتي الأخرى لأحكي عنه, لكنني لم أستطع يوماً , فــمازلتُ أبحث عنه في أركان المنزل , و أسمع صوت مفاتيحه استعداداً لدخول المنزل, و أظلُ مترقبة و الصوت يدوي دون أن يدخل من الباب, يرهقني ذلك الحنين لكل حكاياتنا المشتركة .

في أول مرة فازت لي قصة ساخرة , كانت عنهُ , لقد قرأها و ضحك ناظراً لي دون أي تعليق, بعدها داوم على قراءة ما أكتب مبتسماً .

...

أحاول منذ أربعة أعوام أن أمحي أصواتهم و صراخهم حين خروج نعشهِ لكن الأصوات لها صدى يبقى العمر كله .

لازلتُ أتوسل للنسيان أن يخدرني حتى أنسى تلك التفاصيل التي جعلتني تقبلت التعازي صامتة , البكاء بعد خروجهِ من البيت كان يجافيني و يصر أن أظل صامتة.

....

لقد أصريتُ أن آراه بعدما فارقته الروح, تمالكت نفسي و همست له بأن الوقت مبكراً لرحيله و انتظرت الرد و لم يرد.. فقط شعرتُ بابتسامته المواسية للآخر مرة..

...

في المآتم أبكيه , ربما لأنني لم أبكيه حينها بما يليق بوداع طويل يمتد العمر بأكملهِ.

لقد ترك بعض سخريته التي مازالت تلازمني في أحلك المواقف , حتى أنني حينما قدمت التعازي في ديسمبر وفاته ثلاث مرات لآخرين نال منهم الموت , أخبرتُ أصدقائي أن ديسمبر يتعامل كما يحدث في نهاية السنة المالية و أي مستحقات يجب أن تسترد حتى لو في الموت..!

...

في موتهِ أصابني الصمت , كنت أحاول أن اتأمل الحياة دون ورقة (السيلوفان) التي كانت تُغلفني , حاولت أن أستمر في الحياة دون أن أبحث عنهُ حينما تصل الأمور إلى نهايات مُغلقة, لكن النهايات المُغلقة هي دأب الحياة ..

..

وجود الأب يجعلنا ننام مطمئنين أن هناك من يحمي ظهورنا , هناك السند .. فــ حينما تحاول النوم بعمق فـــ تكتشف أن تلك الحياة ولت دون أن تعي كم هي مُرهِقة مسؤلية مواجهة الحياة دون سند ..

في المعارك يجب أن يغطي أحدهم ظهرك فـــدونهِ يخترقك الرصاص دون رحمة ,و حينما يسقط حاميك, عليك أن تظل واقفا على قدميك بقوة حتى تموت بشرف لا يماثل شرف معركتك التي يأتى فيها الرصاص من خلفك دوماً لـــ يقتلك.

لذا أسير في الحياة منذ أربعة أعوام دون من يحمي ظهري و كل الرصاص يأتيني من الخلف ..

..

دوماً يأتي لي ديسمبر بحكايات موت جديدة , لأبكي والدي بنضج أكثر , لقد فهمت الآن معنى رحيلهِ , معنى أن أحاول الحياة في غابة لا تعترف سوى بشريعتها , أن يصبح صوتي أقوى و ملامحي صلبة لكن بقلب يحمل الحنين لمن رحل دون وداع يليق مني, لمن رحل قبل أن أحكي له كل حكاياتي و قبل أن يقرأ كل جنوني .

لقد رحل قبل أن أمزجهُ في أحزاني و همومي لـــ أولد من بصيرته.