04 ديسمبر 2009

الموت متسللاً



يأتي الموت متسللاً دوماً..


ديسمبر 2005


بهدوء أتى الموت لي, لأصبح بكل بساطة يتيمة الأب في ليلة و ضحاها

دون مقدمات , فقط رحيل سريع , منذ أربعة أعوام أحاول التخلي عن حكاياتي الأخرى لأحكي عنه, لكنني لم أستطع يوماً , فــمازلتُ أبحث عنه في أركان المنزل , و أسمع صوت مفاتيحه استعداداً لدخول المنزل, و أظلُ مترقبة و الصوت يدوي دون أن يدخل من الباب, يرهقني ذلك الحنين لكل حكاياتنا المشتركة .

في أول مرة فازت لي قصة ساخرة , كانت عنهُ , لقد قرأها و ضحك ناظراً لي دون أي تعليق, بعدها داوم على قراءة ما أكتب مبتسماً .

...

أحاول منذ أربعة أعوام أن أمحي أصواتهم و صراخهم حين خروج نعشهِ لكن الأصوات لها صدى يبقى العمر كله .

لازلتُ أتوسل للنسيان أن يخدرني حتى أنسى تلك التفاصيل التي جعلتني تقبلت التعازي صامتة , البكاء بعد خروجهِ من البيت كان يجافيني و يصر أن أظل صامتة.

....

لقد أصريتُ أن آراه بعدما فارقته الروح, تمالكت نفسي و همست له بأن الوقت مبكراً لرحيله و انتظرت الرد و لم يرد.. فقط شعرتُ بابتسامته المواسية للآخر مرة..

...

في المآتم أبكيه , ربما لأنني لم أبكيه حينها بما يليق بوداع طويل يمتد العمر بأكملهِ.

لقد ترك بعض سخريته التي مازالت تلازمني في أحلك المواقف , حتى أنني حينما قدمت التعازي في ديسمبر وفاته ثلاث مرات لآخرين نال منهم الموت , أخبرتُ أصدقائي أن ديسمبر يتعامل كما يحدث في نهاية السنة المالية و أي مستحقات يجب أن تسترد حتى لو في الموت..!

...

في موتهِ أصابني الصمت , كنت أحاول أن اتأمل الحياة دون ورقة (السيلوفان) التي كانت تُغلفني , حاولت أن أستمر في الحياة دون أن أبحث عنهُ حينما تصل الأمور إلى نهايات مُغلقة, لكن النهايات المُغلقة هي دأب الحياة ..

..

وجود الأب يجعلنا ننام مطمئنين أن هناك من يحمي ظهورنا , هناك السند .. فــ حينما تحاول النوم بعمق فـــ تكتشف أن تلك الحياة ولت دون أن تعي كم هي مُرهِقة مسؤلية مواجهة الحياة دون سند ..

في المعارك يجب أن يغطي أحدهم ظهرك فـــدونهِ يخترقك الرصاص دون رحمة ,و حينما يسقط حاميك, عليك أن تظل واقفا على قدميك بقوة حتى تموت بشرف لا يماثل شرف معركتك التي يأتى فيها الرصاص من خلفك دوماً لـــ يقتلك.

لذا أسير في الحياة منذ أربعة أعوام دون من يحمي ظهري و كل الرصاص يأتيني من الخلف ..

..

دوماً يأتي لي ديسمبر بحكايات موت جديدة , لأبكي والدي بنضج أكثر , لقد فهمت الآن معنى رحيلهِ , معنى أن أحاول الحياة في غابة لا تعترف سوى بشريعتها , أن يصبح صوتي أقوى و ملامحي صلبة لكن بقلب يحمل الحنين لمن رحل دون وداع يليق مني, لمن رحل قبل أن أحكي له كل حكاياتي و قبل أن يقرأ كل جنوني .

لقد رحل قبل أن أمزجهُ في أحزاني و همومي لـــ أولد من بصيرته.