11 نوفمبر 2010

يُشبه النبيذ



تم نشرها في جريدة البديل 11 نوفمبر 2010



أخبرني صاحب البار الصغير أن الولد الأسمر يُشبه النبيذ، سيصبح رائعاً حينما يتعتق جيداً. فكرتُ أنه منغلقٌ جداً حتى أنه لا يسمح لشعاع الضوء بملامستهِ. إنه يتعتق دون قصد منهُ. فـتمنيتُ في سري تذوقه.
***
يحمل الولد ندبات رقيقة في جبهته تشي بطفولة ليست هادئة على الإطلاق، عكس ما يحكيه أنه كان هادئاً لأنه أصغر أخوته، فـتشبّه بهم كرجل صغير. أقرانه كانوا يبجلونه، ربما لأن هدوءه حمل رسالة ضمنية تخبرهم بأنه ليس مثلهم، فكفوا في حضوره عن الشجار والسباب (ومغازلة البنات عند خروجهم من المدرسة التي بجوار مدرستهم).
لم يحكِ الولد يوماً عن رحلاته في أرجاء المدينة منذ أكمل الستة أعوام، عن عشقه المشي دون هدف واضح، عن تأمله تلك المدينة الكبيرة بالنسبة له حينها. كان يتوه كثيراً لكن لم يعرف أحد بذلك، لأنه في نهاية اليوم وقبل غروب الشمس كان يجد نفسه أمام بيته دون أن يعرف كيف حدث ذلك، فقط أمه كانت تلاحظ الغبار الذي يغطيه وتعتقد أن ذلك بسبب لعبه في الشارع.
ذات يوم عرف كيف يصل لذلك الجبل الذي كان يراه من أعلى منزلهِ، صعد على سلالم منحوتة فيه، تأمل المدينة من أعلى، فوجدها ضئيلة جداً لا تشغل سوى بقعة صغيرة كأنها جزيرة وسط الرمال نسيتها الطرق لتظل وحيدة. في هبوطه قرر أن يهبط على الصخور، كمغامرة صغيرة تعوضه عن صغر مدينته الذي اكتشفه يومها، تجرّحت يداه وسقط أكثر من مرة فخُدشت جبهته خدوشاً صغيرة لا تُلحظ. كان يومها ابن العاشرة، فالتئمت جروح يدهِ و بقيت خدوش جبهته، كشاهد على مغامرته.
لكنهُ كان يجيب عن أسباب الندبات بأن جلده رقيق جداً وأحياناً يخدشه دون قصد بأظافره فتتحول الخدوش لـ ندبات.
لم يكن يعرفني، وكنتُ أعرفهُ جيداً، زرته في أحلامه تاركةً آثاراً صغيرة مني، فكان يستيقظ مستغرباً رائحة التفاح التي تعبق سريره وتمتزج بمسامه وأنفاسه لتصبح سحابة لونها أزرق – كمزاجي في غيابه- لم أقصد ذلك، فقط هي محبتي له كانت تفيض حتى أتوسدهُ بخجل حينما يغفو مبتعداً عن الواقع، لأنني لم أستطع توسده في يقظتهِ.
في أول مرة قررتُ الاقتراب منهُ كان في مكان مزدحم لا يحمل تفاصيلاً واضحة سوى غيوم تتعلق في سمائه، لها رائحة الكراميل. اقتربتُ منه سائلةً عن طريق مختصر لتلك السحابة وأشرت بيدي .. فابتسم كأنه يعرفني منذ زمن وسحبني من يدي بحنو، فارتعش جسدي وامتلئتُ بالصمت حتى وصلنا دون أن أعي أي الطرق اتخذ. كنتُ مأخوذة بقربي منهُ، و كانت القبلة الأولى.
بعد هذه المرة توقفتُ عن مراقبتي له من بُعد، لتتعدد رحلاتنا. فتسامرنا في قارب خشبي في نهر مياهه بنفسجية وتحممنا سوياً فيه، فتلونت اللحظة وبقيت. ثم في يوم آخر صنعنا بيتاً خشبياً على شجرة يرجعُ تاريخها لبدء الخليقة فأثمرت يداي بين يديه ضفيرة خشبية أوثقنا بها باب البيت حتى نعود. ومارسنا الحب على قمة جبل في ليلة اكتمال القمر لألد شمساً تاركة اياها للجبل ذكرى منّا.
لكن للحلم قواعد صارمة، ما أن يستيقظَ حتى ينسى كل التفاصيل، تبقى بعض المشاعر المبهمة دون تفسير لديه، ربما وجد ورقة شجر في يده أو لحظة بنفسجية اللون أو نور، لكن كل تلك الأشياء تتلاشى حينما يكتمل استيقاظه، ليعتقد أنها بقايا الحلم الذي نسيه.
كان يكره الاقتراب الحميمي، دوماً يحكي ما يود عن نفسهِ لكن لا يحكي كل شيئ، بالأحرى لا يحكي أي شيئ، يحتفظ له الجميع بتمثال منحوت ببراعة ولا يشبهه، حتى ثرثرته مع الآخرين كلها حكايات دخانية لا يستطيع أحد الامساك بهِ متلبساً في حكاية. وعلى الرغم من قناعاتهِ إلا أنه يحمل تعاطفاً مشوباً باللوم للعشاق، لأنهم من المؤكد يعرفون ما يعرفهُ، لكنهم يتمسحون في أقدام ذلك الإله -الوهمي في نظرهِ- المُسمى بالعشق. إنه صنم لا يحمل أي حقيقة سوى بعض الأساطير عن ألوهيته, وهم يحاولون إحياء الأسطورة بتقديم قرابين من الوجع اللانهائي. كانوا يُذكّرونه بهؤلاء الوثنيين الذين يصرون على عبادة أصنامهم الخالية من الروح والإرادة، فقط لأن آباءهم كانوا يعبدونها، لذا لم يتعاطف سوى مع وجعهم.
***
مؤخراً أخبرني صاحب البار أن الولد تغير حقاً، رائحة الإستغراب من حكايات العشق خفتت تدريجياً، أصبحَ متصالحاً معها، ونظرتهُ اللائمة حل محلها نظرة حنون شاردة، يبدو أنهُ أوشك على التعتق، ثم أضاف ضاحكاً: محظوظة تلك التي سيعشقها.
بعدها، في جلستي معه على تلك الهضبة بمواجهة قصر الحمراء، بدأ يحكي لي عن الحكاية الحقيقية للندبات التي كنتُ أعرفها -و لم أخبره بالطبع- حكى لي عن أول فتاة اقتربت منه لكنه يكره أن يُسأل عن تفاصيله، ولا يحب أن يقدم تنازلات، لذا ابتعد عنها، لم يفهم أي امتزاج بإسم الحب يجعل من حقها النبش بداخل غرفه المظلمة كأنها تفتح الأبواب للأرواح الشريرة. تأمل القصر وسرح حينما كنت أفكر أن عقدة لسانه انفكت ربما لأنه يحب الأندلس أو يحبني!
استكنتُ بين ذراعيه، لتدغدغني زفرات أنفاسه الحارة وتتردد في ذهني كلمة واحدة "محظوظة" .
نمتُ حينها، وحينما استيقظتُ لم أجدهُ. اختفى هو والتفاصيل جميعها. بحثت عن البار حتى وجدتهُ. سألت صاحبه عن الولد الأسمر الذي يحمل ندبات خفيفة على جبهته. فـأنكر معرفته به. ذلك الولد الذي أخبرتني أنه كالنبيذ؟ لم ينظر إليّ وغمغم: الخمر تلحس عقول الناس. هرولتُ للخارج أود الصعود لجبله. بعد ساعات وجدتني هناك، أتسلق سلالمه بلا حذر. شممتُ رائحته التي قادتني لكل الثنايا التي مسها لأجدني في النهاية أتدحرج من أعلى الجبل فأستقر في سفحه. لم أشعر بشيئ سوى أن ندبات جبهته انتقلت لي. فوددتُ الابتسام.

painting: oil on canvas by Victor Bauer

اللنك اضغط هنا

28 أكتوبر 2010

ليست آليس



إنها ليست آليس و لم تكن آليس محظوظة _كي تحاول تقليدها_ فحكايتها توقفت عند انقاذ بلاد العجائب و عودتها, لم نعرف كيف سارت حياتها في الواقع, و هو ما يتبقى من سيرتنا. ما أنقذ آليس أنها خيالية, لو تجسدت لما تحدث أحد عنها أو حتى عن بلاد العجائب.

The picture
Giclee on Canvas
Artist: Tricia Buchanan - Benson

15 أكتوبر 2010

Scream



عنف التدخل في تفاصيل الآخر, اجبارك ببساطة على حميمية لا تودها, اقتحام عزلتك قسراً. كلها أفعال تضطهدُ حيز خصوصيتك كنظام شمولي يُنكّل بالأفراد الخارجين عنهُ .



The painting:The Scream by Edvard Munch

17 يوليو 2010

محبوسة في مراية



اتولدت يوم جمعة ، وقت مطرة ، فعز النهار ، على إيد داية ممكن تقول مصير كل مولود من ساعة ولادته ، وتفضل مستنية يتحقق اللي قالته وتضحك ف سرها وتفتكر إن الدنيا علمتها كتير ، وإن كل إنسان بيتولد مكتوب على وشه قدره ، وتآمن أكتر إن ربنا منظم حياة الناس على يوم وساعات ميلادهم . " مش هتموت إلا عجوزة ، وهتكون أجمل بنت فـ الدنيا " . ابتسمت أمها وحست ف ثانية واحدة إنها خلفت ست الحسن .
كل يوم كان بيعدي كانت أمها بتراقبها ، وتفكر بينها وبين نفسها إن البنت فعلا حلوة ، أجمل من كل البنات ف سنها . ومع الوقت آمنت أكتر بكلام الداية.
طبعها من صُغرها هادي , رموشها طويلة و عنيها واسعة متكحلة رباني , شعرها طويل شبه موج البحر لما تشوفها تحس إنها حلم مالوش خيّال , ( ربنا خلقك عشان تعقدي بنات حوا ) دايما أمها كانت بتقولها كده .
ابتدت تحس بجمالها من صغرها , كانت بتبعد عن أي بنات ,قرايبها أو ف المدرسة , أو حتى الجيران , دايما شايفة ف عنيهم غيرة , و أمها دايما بتأكدلها و تقولها ( جمالك هيخلي كل البنات غيرانة منك فـ ابعدي عنهم وسيبيهم يقهروا ف روحهم)
دايما ست الحسن حاسة إن أختها بتكرهها ,و بتحاول تعمل نفسها أحسن بشطارتها ف المذاكرة , أول ما تشوفها أودام المراية بتسرح ف شعرها و لا بتبص على جمالها , تجري تجيب كتاب و تقعد تقرا فيه , مش عارفة تداري غيرتها!
(الجمال من غير عقل مالوش لازمة يا ست الحسن) أختها دايما بتقولها كده لكن أمها كانت بترد علطول و هي بتضحك ( ده قصر ديل يا أزعر)
هي دايما حاسة إنها أميرة , بـ نظرة من عنيها تنور النجوم ف السما , تقعد في أي مكان و تتفرج على نظرات الإعجاب و الحسد من اللي حواليها , و هي ماشية ف الشارع مع مامتها كانت بتراقب ملامح أي شاب يبصلها و هي فرحانة من جواها بس اتعودت إن ملامحها تكون باردة كأنها مش واخدة بالها أو مش مهتمة .
الزمن بيعدي , و بقت ست الحسن ف العشرين , عز الطلب بحلاوتها و جمالها , العرسان بتيجي و تروح ., لكنها و لا مرة شافت عريس , أمها لسا ما لقتش اللي يليق بيها , مفيش خروج لأنها مالهاش صاحبات , وأختها ف دنيا تانية بعيدة اوي عنها , بقت لما تحاول تقرب من بنات جيرانها تلاقيهم بيهربوا منها , دايما بيعاملوها عن بُعد , مش عايزين يقربوا منها, أكتر من صباح الخير و ازيك مفيش , كانوا شايفينها واحدة كل اللي هاممها شكلها و جمالها . و كانت بتريح نفسها و تقول ف بالها (دول بيغيروا مني) .
بس يعني كل البنات دول أنا أحلى منهم؟
يعني أنا حلوة أوي كده , طيب و هافضل حلوة؟ , طيب هو عشان حلوة يبقى ما ينفعش أخرج براحتي و لا حتى يكون ليا صاحبات؟ .. كانت دايما بتسأل نفسها و ما تلاقيش اجابة ..
مع الوقت بقت حاسة إنها روحها مخنوقة , تيجي تبص ف المراية تلاقي ملامحها بتتغير , عنيها بتدبل .
بيتسرسب جواها سؤال خايف ..يعني الجمال ممكن يروح مني؟
تبص حواليها , حاسة إن حيطان الأودة بتقرب اوي , هتعصرها .
هو الحلوين لازم يفضلوا جوه القفص؟ عصافير ملونة للفُرجة؟ يعني العصفور اللي ف القفص ذنبه إنه ملون؟ لو كان عصفور رمادي عادي كان هيفضل حر طاير ف السما؟
كل العصافير الرمادي بتغني و تطير بدل العصافير الملونة , العصافير الملونة دي للفرجة بس .....
بصت ف المراية مالاقتش ملامح ليها..!
ابتدت فجأة تبطل تبص ف المراية و تفضل ف سريرها ساكتة طول اليوم بتقوم بالعافية . أمها راحت جابت المبخرة و حطت بخور و جابت ورقة قصتها على شكل عروسة و قالتلها (محسودة يا بنتي , خطي على المبخرة سبع مرات ) و مسكت دبوس و قعدت تخزق ف عنين العروسة الورق و تقول
(من كل شر حاسد إذا حسد)
(من كل عين شافتك و لا صلت عالنبي)
(رقيتك من كل عين و استرقيتك يا....
فجأة ست الحسن راحت ماسكة المبخرة و راحت حدفتها ناحية المراية اللي اودامها .. و صرخت (أنا مش عايزة أكون حلوة ) و افتكرت كلام الداية اللي حفظته من أمها " هتكون أجمل بنت فـ الدنيا " ففضلت تردد الجملة بشكل هيستيري ، بشكل جنوني..
أجمل بنت فـ الدنيا بس محبوسة في مراية.


13 يوليو 2010

سكرة




أما اتولدت سكرة صاب أمها الهم و السهاد , ماهو زي ماعلموها يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات , و دخل عليها سي محسن و وشه و كأن حد مات و بصلها زي الجلاد , و قالها: و ناوية على ايه ياام البنات؟ ماتكونيش ناوية على قبيلة ستات؟
بصتله بكسرة نفس و بصت ف ايدها للبت و بصوت مليان غُلب قالتله : هاسميها سكرة لاجل تدوبها ف مرارك و تتسكر أيامك ... قالها:هو في مرار أكتر من خلفة البنات؟؟
سابها و من وراه رزع الباب , من غير رد و لا حتى هاتي أشوف البت و لا حمد الله على سلامتك ياست ..
..
جات سكرة التالتة ف اخر البنات, اصل بعدها ماجاش غير الأسياد آصدي يعني الولاد , كبرت و اتعلمت ..يعني اتعلمت الغسيل و المسح و الكنس و الأهم إنها اتعلمت ازاي تبلع اللسان , ماهو ف البيت الكلام بس للولاد ماهما الرجالة , يعني الكمال ..!
و جالها العدل , حماتها اختارتها من دون بنات البلد, قالتلها ياعيني على الكمال و الأدب اودامك يومين و تبقي عندي ف دار العدل ..!
فات اليومين و راحت بجهازها و فستانها , و لاقت العريس مستنيها على باب الدار, ماهو الحال على الأد و ماعملوش فرح للبت .
و دخلت , و من تاني يوم على الشقا جريت , لا قالت يا أبا و لا ياأما , كل اللي بتقوله لحماتها (حاضر يا ست) , و لأن الشر كان من ست يبقى البت ماغلطتش ..
و كل اللي بتطلبه لقمة لجوعها تسد , و يجي الليل و تتزوق بالأحمر و الأخضر و لا أحسن بت ذوات , و يجي جوزها من غير همسة و لا كلمة يخلص روحه قوام و ياكل و ينـــــــــام
و فضل الحال و سكرة و لا أجدع تور بيلف ف ساقية الحما و الجوز الخرصان ..
و بطنها شالت تلات عيال , بس ماكملوش و صحتها ف النازل و ماحدش راحم , لغاية ماجات يوم وقعت من طولها و الحما عملتلها شوية يانسون و قالتلها انها من الصبح زي الجن هتقوم
و جه صبح و عليه تلاتين صبح , و ف الآخر حماتها قالتلها كلمنا أبوكي يجي ياخد بضاعته المعيوبة , و جوزها خد شاله من جمبها و خرج و لا كأنه سمع و لا حتى شافها قبل كده و لا نوبة ..
و رجعت سكرة لأهلها , وفضلت عالحال ده سنة , و قامت بعدها ماتطيقش الرجالة و تطيق العما , بس جارتهم أم الولاد شافتها و قالتلها و هي بتمصمص ف شفايفها : (قال بيقولوا انك مسدودة و صفرا و مرضانة) ..
من غُلبها بكت ,و مع تاني بخت قالت يمكن تتعدل , و الراجل هو اللي اختارها , هو صحيح على ذمته أم العيال بس و ايه يعني ماهو أحسن من دا الحال ..
و قالها بفم مليان إن أم العيال هتعاملها معاملة هنية .. و يوم ماراحت لاقت مستنياها الست سعدية و حواليها أورطة عيال أشكال و ألوان .. و بصتلها من فوق لتحت و قالتلها منورة يا عنيا .. و الحال ماتغيرش عن المرة الأولانية .. إلا ف إن سي الجديد بيبات ليلاتي عند أم العيال
(ماألعن من سيدي إلا ستي) قالوها يوم ف الامثال
حما .. ضرة
أهو الحال كله غُمة
جات ف يوم سكرة تعبت و ملّت و ف هدومها لمّت و راحت لأبوها , و قالتله :
لما انت داري الحال .. ليه رضيتلي آجي و أدوب ف المرار........
وجات سكرة ف زمن المرار لاجل تسكّر الأيام , بس دي كانت سكرة واحدة يا سادة ياكرام .. و دابت..!

......
ديسمبر 2009 - ورشة كتابة أنا الحكاية

04 يوليو 2010

فنجان شاي خفيف


نُشرت في جريدة الجيل الأسبوعية الأربعاء, 4 أغسطس 2010

طلبت كوباً من الشاي الخفيف في ذلك المقهى الجديد , لم تكن تحب المقاهي الصاخبة التي يرتادها الجميع طلباً للصخب لكنها كانت تواصل الخروج من ذاتها المُنهكة, أتاها فنجان الشاي , و على الرغم من أنها تكره الشاي في فناجين لكنها بدأت في ارتشافه بقناعة ليست موجودة.
إنها تكره الشاي الخفيف أيضاً, لكنهُ لأسباب كثيرة هو الأنسب لها في المشروبات الدافئة, الأنسب و الأفضل كلمات لم تكن تعيرها اهتماما منذ وقت ليس ببعيد , لكنها الآن تفعل ما هو الأفضل و الأنسب و المتاح أحياناً , ربما ليست حكمة و لكنها فهمت أخيراً أنها واصلت العناد حتى استهلكت روحها تماماً و لم تعد هناك قوة بداخلها , فقط بعض الذكريات التي تجعلها تعرف أن الحلول العادية و التقليدية كانت أفضل لها.
لن يلاحظ أحد التغيير , لأنها مازالت تُفضل المشروبات الدافئة عن العصائر , لم تغير العناوين الرئيسية , فقط المضمون لم يعد مهماً, ربما فكرت أكثر من مرة أن تحتسي في فنجان الشاي ماءاً مغلياً فقط , لن يعرفوا, لأن الماء المغلي يُخرج بخاراً , و الفنجان ليس شفافاً و مادامت لن تشرب ما تحبهُ لأنهُ ليس الأفضل إذا الماء هو أفضلهم على الإطلاق , شفاف لا يتلون , ليس مراً و لا حلواً , فقط لا مذاق لهُ , و الأشياء التي لا تحمل مذاقاً لا تجعلنا ننتظر أي شيئ , لا تمنيات , و لا احباطات .
تشم رائحة قهوة تركية , قوية الرائحة , تميزها جداً , فـ تشعر بحنين مخلوط بالحبهان لكنها لا تسمح لنفسها بأكثر من حنين عابر, لم تعد تفهم إن كانت تهرب طوال الوقت مما تُحبه أم أنها لم تعد تهتم كما في السابق؟
كل الأشياء التي أحبتها أصابتها بالكثير , و الكثير هذا ليس جيداً على الإطلاق , إنه سيئ لدرجة أن ايمانها بالأشياء أصبح مشوشاً , ربما لم تعد تُفكر في الأشياء و الأحداث و الأشخاص , كل شيئ يمر و لا يعبر بداخلها , ذلك أفضل لأن داخلها لم يعد يحتمل أي زيارات من الخارج.
لم تعد تستطيع اكمال فنجان الشاي, الأفضل ليس رائعاً بالنسبة لها , لكنها باصرار تواصل الرشفات و هي تخبر نفسها بأنها لم تترك لنفسها قوة تجعلها تتمرد مرة أخرى و من الأفضل أن تكمل فنجان الشاي الخفيف الذي لا تحبهُ.
PAINTING BY YOUQING WANG

23 يونيو 2010

مصقولةٌ كــ سطح معدني



استيقظتُ اليوم
مصقولة كـ سطح معدني لا يعلقُ بهِ أي شيئ
أعتقد ذلك خط دفاع نفسي مني..
لكنهُ لم يدم
لا شيئ دائم في هذه الحياة
كما تعلمون..
...
البارحة أخبرتني صديقتي أن فلانة التي نعرفها
تلك الفتاة التي بنفس عمرنا
أصابتها جلطة في المخ و شلل..
أصابني الوجوم و داريتهُ سريعاً
لستُ شخصية مُرهفة
لكنني قلقتُ على نفسي
في أسبوع واحد غازلني الموت و المرض
فـ قررتُ عدم التهتك بالحزن أمامهما!
....
ثم أخبرتني احدى صديقاتي
بأنها تنتظر مولوداً
ذلك الذي انتظرتهُ أعواماً
فرحتُ بـ فرحتها
ابتعد الحزنُ قليلاً
و لم يكن راضياً
....
ثم أتى بعدها بـ دقائق قليلة
الذي رحل\هجر
ليقدم بعض الوجع الطازج
وجع شهي لا يمكنني رفضهُ
فـ التهمتُ الوجع كلهُ
على الرغم من علمي أنهُ مضر جداً
لكنهُ شهي جدا
في العشق و الشغف و الوله
أي كلمة ممن نُحب\ الذي رحل
شهية جداً
حتى لو كانت من الوجع
....
لقد قررتَ أن ترحل عني
و ذلك في عُرف النساء
كبيرةٌ لا تُغتفر
لكنني غفرتُ
و التمستُ أعذاراً
عددها أكثر من ألف
حتى هفوات عصبيتك
و أقوالك التي تقتل
تغاضيتُ عنها
بقوة تساوي حبي لك
سأصمت لكنني سأكتب
لقد قررتُ سجنك في كلماتي
سأجمد كل لحظاتنا كصور مكتوبة
أرى كل شيئ بيننا كان رائعاً
و سأكتبهُ رائعاً
ربما يوماً أصابني عطبٌ في الذاكرة
حينها سأجد كل حكايتنا
تلك الحكاية الرائعة
و التي مهما حدث ستظلُ رائعة
....
يبدو أنني سأنام حزينة
لكنني قوية جداً
فليبتعد عني الموت و المرض
لأنني لا أنتظرهم اليوم
و لا أحبُ الزوار الغير مرغوب فيهم..!


21 يونيو 2010

نصوص لم تعتقد أنها كذلك!


يسألني أحدهم عن أحوالي
فـ أنفثُ دخان السيجارة
و أنظرُ إليه لأبدأ الحكي
لأجدهُ يتغاضى سريعاً عن سؤالهِ
و يسألني في طلب يودهُ مني..
فأبتلعُ الدخان مع حكاياتي
التي لا تخصُ سواي
....
من السيئ أن تكتشف أنك أخيراً
بدأت تنضج
و تتقبل أنك تكتب ارضاءاً لغرورك
و أنك تداري حزنك بضحكات غبية
تُشبه الجميع
و لهول الصدمة تكتشف أن حزنك
يُشبه أحزان الجميع
و أنك لم تأتِ بجديد
حتى فرحتك التي اعتقدتَ أنها لم توجد من قبل
يبدو أنها ذهبت لتثبت لكَ عاديتها..
في النضج نعترف لأنفسنا بـ عادية الأشياء جميعاً..!
....
ربما تجد نفسك تعشق الأشياء الصماء
التي لا تُشبه البشر
ربما لأنك
مللتَ البشر..
...
أجمل ما في الروايات الحزينة
أن تجد نفسك تُشفق على أبطالها
على الرغم من علمك التام
بأنهم لو حقيقيون
لما كنت تأثرتَ لثانية
و ربما
كنتَ حاكمتهم دون شفقة..
نكون انسانيون جدا مع الخيال
لا في الواقع..!
...
السيئ في الأمر
أن تكتشف أنكَ أصبحتَ تقول عبارات مثل
حدث هذا أو ذاك من عشرة أعوام أو أكثر
إن الزمن ماكر جداً
و لقد مر سريعاً
الأسوأ أن تُصر أنهُ لم يمر بعد
..
لم تعد هناك أشياء تُفرحني
أصبحت
رائحة اللافندر تخنقني
و القهوة تُؤرق يومي
و الشيكولاتة لم تعد تُشبهني
أما هو
فقد رحل
و لذلك حدث كل ما سبق!
.....
أحياناً يحدث أن أقابل صديقة قديمة
طيبة و نقية
تُشبه الأطفال
لكن من أخبركم أنني أحب الأطفال؟
....
- هل كنتُ طفلة سعيدة؟
- جداً
و لقد استهلكتُ كل سعادتي حينها
لم يتبقى أمامي سوى استهلاك مخزون الحزن
لبقية أعوامي!