20 نوفمبر 2009

و عاد بنزقهِ من جديد




أخبرني بثقة بالغة أن الحب تلاشى منذ بضعة أيام ..!

في البداية لم يحدث شيئ , بمرور الوقت وجدوا أن الحب لم يعد موجودا في أي مدينة على وجه الأرض, الأنباء تتوالى , الأحبة يقتلون بعضهم, يهجرون بعضهم, الآباء تخلوا عن أبنائهم , الجيوش برُمتها تركت أوطانها لمن يدفع لها أكثر!

لم يعد هناك طبيعيون سوى مَن ضمائرهم قوية حد التصدي لاختفاء الحب لكن الاكتئاب أصابهم لأن ايمانهم بضمائرهم وضعهم في مفترق الطرق الذي مزقهم.


أخبرتهُ ببعض السخرية أن يبحث عن المسئول؟ أم أن كيوبيد لم يعد قادراً على أداء عمله؟؟, نظر لي بصمت و نهض دون كلمة واحدة.

الحيرة تمكنت مني , لماذا لم أشعر بتلاشي الحب؟ لماذا أنا من دون الجميع؟ ربما هناك الكثيرين أمثالي , ربما لأنه لا يوجد حبيب لدي؟ بالأحرى لايوجد من يمارسون فعل الحركة في قلبي, لقد أصبح خالياً من البشر , يدق لأسباب فسيولوجية بحتة لا أكثر , لقد جاء اليوم الذي يفخر أصحاب القلوب الفارغة بأنهم نجوا بأنفسهم كما يبدو لي , لقد جاء آوان الابتسام بسخرية من النظريات البائسة عن الصداقة و الأبوة و الإنتماء و الحبيب।


حينما تنام و أنت الشخص الوحيد بين زمرة الأوغاد الذين حولك من يلقون عليهِ بنظرات الشفقة لأن قلبك لم يعد يحمل أي شيئ بداخله لتستيقظ في يوم آخر لتجد أنك من يُلقي نظرات الشفقة الظاهرية المُحملة بكم من الأحقاد , أكبر أحلامي الخيالية لم تتوصل يوماً لحل مثالي و رائع مثل ذلك . مع الوقت بدأت الأخبار تنتشر ,لقد أصبح كيوبيد طاعناً في السن و لم يعد قادرا على رمي سهامه الطائشة, لقد أثقلتهُ القرون الفائتة بالحكمة النهائية , لقد فعل الحب أكثر من الثورات و الحروب و معاهدات السلام , السهام لم تكن طائشة كما يثرثر الجميع طوال الوقت , فحينما أحبت البيضاء ذلك الرجل الأسود حينها الحب أذاب كل العنصرية بهدوء كما لم يستطع مارثن لوثر كنج أن يفعل , لكن الجميع طوال الوقت يتهم الحب بالطيش و الجنون , لذا قرر كيوبيد الإعتزال ليقضي بقية الحياة بجوار حبيبته بسايكي, تاركاً الحياة للعقلاء جدا الكارهين للحب ..!


أصبحتُ ازداد كآبة يوم بعد يوم , لم تعد فرحتي بالتشفي في الآخرين ممتعة , لقد أخبرني أحدهم منذ زمن أنني لا أحب سوى نفسي , ربما معنى ذلك أن باختفاء الحب قد كرهت نفسي..!


استندتُ على مسند الفوتيه و نهضت بتثاقل , نظرت في المرآة التي بجوار الباب , دققت النظر أكثر , لم أرى سوى امرأة لم تحب يوماً و لم يعد حتى باستطاعتها أن تحب نفسها, يبدو أنّي ككثير من البشر لم أفهم ميكانيزم الحب سوى بعد تلاشيه .

(حالات الانتحار أصبحت في أعلى معدلاتها) يخبرنا أطباء علم النفس أن حالات الانتحار تزداد مع هؤلاء من لم يحبوا سوى أنفسهم و ماعاد باستطاعتهم حتى ممارسة الأنانية.

بدأ الهمس بين الناس يزداد في استحياء , لقد عاد كيوبيد , يبدو أن بعضهم توسل لفينوس أن تؤثر عليه , و البعض يقول أن كيوبيد مازال يحمل نزق الأطفال مهما أصبح طاعناً في السن و أراد فقط بعض اللعب , لكن أقوى الهمس أن كيوبيد أراد منّا أن نتعلم احترام الحب و حينما تعلمناه عاد بنزقهِ من جديد....