18 أبريل 2012

(البتاو)



من مفارقات القدر أن أكتب بإيعاز من صديقتي الإسكندرانية حنان الشافعي عن خبز (البتاو) الصعيدي!


(البتاو) خبز صعيدي جداً.. من الغريب أنني صعيدية لكني لم أفكر يوماً في الكتابة عنهُ, ربما لأنني لم أمتزج بالصعيد, ليتني امتزجت فربما ذلك الخبز القاسي الممزوج بنكهة الحلبة بمذاقها الحامض المر الذي لو اختلط بي لـ عودني على حياة تُشبههُ.. المرار و القسوة تيمتان لم أتعود عليهم يوماً فربما ذلك الخبز كان أولى الاختبارات في الحياة لكنني لم أمر بهِ سوى كزائرة, ذقتهُ مرة أو مرتان لم أحبه, لم أكرههُ, لقد تعاملتُ معهُ كأنني سائحة أتعرف على جو الصعيد! لم أحاول يوماً أن أتعامل مع الصعيد كمنبت لجذوري, لقد أكلتهُ مع جبن قديم بأطراف أصابعي كأي امرأة مرت بالصدفة و قررت أن تمارس تجربة تلوك فيها المر فربما تستسيغهُ .
لقد أصبحت امرأة لا تنتمي لمكان, الروح هائمة مُقتلعة الجذور معها, دون محاولات لغرسها في مكان جديد, ربما فكرت يوماً أن أدفن جذوري في قلب رجل لكن وليف الروح يرحل دوماً, ليتني كنتً قاسية كقلب الصعيد أو حتى المر يسري في دمي حتى أستطيع القاء تعويذة بالمرار و القسوة على من يوجعني, لكن الوجع يتوغل بداخلي و المرارة تخنقني, في الصعيد القاهرية و عند القاهريين.. بالطبع أنا الصعيدية, لقد وقفتُ في منتصف الوهم, ربما لو كنت أكلت (البتاو) بحميمية أكثر .. فربما كنت وجدت أي خارطة لمكان يناسب جذوري.. أن تقف في منتصف الوهم, منتصف الطريق, منتصف الفكرة, منتصف الغضب .. فأنتَ تقف على دخان وحلقك في منتصفه ترشق المرارة .
بعد تيه سبع وعشرين عاما, لو وجدت أمامي رغيف من (البتاو) الآن لألتهمتهُ بصدق أكثر, ربما لأخذت قطعة منهُ و وضعتها كتميمة على صدري .. ذلك الخبز لا يفسد سوى بعد شهور طويلة فربما مع حميمية الالتصاق بهِ تستقر جذوري في تلك القطعة, أي هوية مفقودة أبحث عنها في قطعة (بتاو) ؟! أحياناً أهرب من الصعيد كلهُ, أغرق في تيه القاهرة بشوارعها ثم أعود لأفكر أنني ينقصني معرفة هويتي الحقيقية التي تختبئ تحت جلدي, حينما أؤمن بدولة القانون ولا يقشعر جسدي من فكرة الثأر فمن المؤكد أن هويتي الحقيقية تحاول الفرار من لحظة ميلادي و تقتنصني, روحي مراوغة, بين (البتاو) و باليه كسارة البندق .. وقَفَت !


Egyptian bread making painting by Myra Evans

04 أبريل 2012

بقايا من عاصفة لا تنتهي







(1)
رجلٌ أشاغب رحيله
فيرتحل تاركاً تفاصيله الصغيرة
التي تسجنني في الوجع..
رجلٌ أعابث غيابه فيحتار
ويقتلني منعاً لصداع العبث..
رجلٌ أعشقه في البُعد و الرحيل
كأنه نائم بكل أمان بداخلي..
رجلٌ
يرحل و يبتعد.. ربما يسافر مع امرأة أخرى
ربما ينساني بقصدٍ في باخرة قابلة للغرق
يقتلني في صحوه ثم يصالحني في منامهِ
رجلٌ مجنون بالرحيل
لذا أغرمت بالرحيل.. لأنه منه!
(2)
أحبهُ
يحبني
القدر همس رفضاً
فافترقنا.
(3)
يزحف بلا جسد في الظلام
يستولي على الروح في غيبوبتها
تلك الروح التي تنتظر الاستفاقة
لن تفيق
فلقد استولى عليها الرحيل
في الظلام.. دون أي ضجة..
(4)
مشكلتي أنك الحلم الوحيد الذي أعتنقته بإيمان تام..
و لن أكفر بك.
(5)
حتى نسيانك أعتقهُ لأصنع خمراً
يُسكرني في روحك البعيدة
هناك
على ضفة جنون الاشتياق..
(6)
ربما أغوت حواء آدم ليأكل التفاحة
و كانت الخطيئة ..
منذ يومها
و حواء تُحاسب على كل خطايا آدم
و كان الظلم..
(7)
(وكأنك طفلي .. فأبتهل أن تبتسم عيناك) ..
(8)
أمام صورتك أغيب في وجع فقدانك..
(9)
أصبحت مُنهكة
كثرة المهدئات و السجائر

الحكايات الفارغة


الضحك من شدة الوجع
كل تلك المهاترات التي داومتُ عليها منذ افتراقنا
أنهكتني..
كل ذلك الزيف أداري بهِ موتي..
لأنهُ الطريق الوحيد الذي أستطيعهُ
أمشي مترنحة..
لكنه على الأقل طريق غيرك!




(10)


تلك الجروح التي لا تلتئم

جروحاً تتناسب طردياً مع الزمن
كلما مر الوقت زاد اتساعها
حتى قاربت على التهامي!




(11)


علّي أن أعيش بك كرصاصة

في القلب..


لن يستخرجوها أبداً

سأتعود على وجودك خارج حياتي

فكلما دق قلبي لك ..

أوجعتني تلك الرصاصة..



(12)
علم أن كل شيئ سيستمر بدوني

أعلم أنك لن تحاول ارضاء غروري الأنثوي

وتوقف الحياة


لأنك لست إلهاً لتفعل!



(13)

النضج هو التعامل بـ لامبالاة مع كل شيئ

لذلك يضيع العمر دون أن نعيره بالاً .



(14)

فترحل
و أرحل
فـــينتحب الرحيل ..
و يُغلق العالم أبوابه
لتأتي العاصفة الكبرى
تُنهي الحياة ..
تاركة تفاصيل ..
لا شيئ سوى التفاصيل
تفاصيل عن كل شيئ
تفاصيل يومية
سوف تمارس سلطاتها على يومي للأبد..
و ما للأبد من نهاية!
(15)


ولأنك الوطن
فقدتُ الإنتماء برحيلك
فلقد تركتَ لي فراغاً
بحجم الروح و الوطن ..
و حتى الجسد أصبح متيبساً
رمزٌ للموتِ سيُخّلد كأيقونة أبدية
للعشق المميت ...
(16)
رجلٌوعدني في آوان الرحيلبرحيلٍ تدريجيحتى لا ينفطر القلبثم رحل قبل الآوانفجأة!




After the storm painting by Susan Harrison
Tustain