15 يناير 2014

بدونك.. أنا وحيدة كالحنكليس (عن رفعت اسماعيل)



تم نشرها في موقع "قل" .. لرؤية الموضوع اضغط الرابط  هنا


أيها العجوز العزيز لقد ظننت حينما أخذتني لأول رحلة إلى اليونان للبحث عن رأس ميدوسا منذ 20 عاماً أنه لا ضير في ذلك, فتاة صغيرة وحيدة وجدت كتاباً صغيراً له بطل وحيد مثلها..خفاش آدمي.. يهوى الظلام والوحدة ويمقت الأضواء.. يكره ثاني أكسيد الكربون ويحب الأكسجين .. إذا أين المُشكلة؟ ذلك شيئ لطيف أن أجد صديقاً يُشبهني لكنني كنتُ كالعادة ساذجة.. ساذجة جداً .. مثلك.


في متاهة كريت عرفتني على اللابيرنث الأسطوري ومنذ حينها وأنا غارقة في اللابيرنث الخاص بي ..لقد أصبح آلهة الإغريق واليونان جميعهم يتزاحمون في غرفتي ويثرثرون طوال الوقت.. وكان رائعاً أن يُضحي ستافروس بنفسه ليقتل المينوتور حتى تظل معي وأيضاً لأن غرفتي الصغيرة لن تحتمل مينوتور يمرح بداخلها.... في كل حكاية كنت أخاف من فقدك وأنتَ كنت تجمع الكوارث والنحس و أمراض الشيخوخة كمن يجمع طوابع البريد..


هل أخبرتك يوماً أنني لم أحب هويدا التي لم تكن تليق سوى بشخص يُسمى سيد الشمندوري ولا تليق بك يا عزيزي, وكنت أكاد أن أفتك بعنق د.شاهين لأنه يرى أن كاميليا تليق بك كزوجة, نعم هي تحملتك مراهقاً ورضيعاً لكن أنت لا يليق بك سوى امرأة كـ ماجي.. هي التي ظلت واقفة فوق أعلى ناطحة سحاب من مدينة ذكرياتك..هي فقط من تمشي على العشب فلا يتثنى منه عوداً..  هي التي ستظل تحبها حتى تحترق النجوم وحتى... لا أعرف.. لأنك لم تكملها يوماً لكن أعتقد أنك ستحبها حتى آخر عمرنا..!  هل حقا البُعد يُقوي الحب كما زعمت هي؟  ربما لو كنت توقفت عن ارتداء البدلة الكحلية التي تعتقد أنها تجعلك فاتناً لغيرت رأيها .. نعم أعرف أن المرأة تحب رجلها ليس لأنه أقوى الرجال, ولا أوسمهم , ولا أغناهم, بل لأنه هو بضعفه وقوته, فالحب ليس استعراض قوة لكنه طاقة عطاء دافئة مستمرة, لكنه لا يعرف.. من هو؟ لا يهم..فـ ذلك له حديث آخر ..


هل تتذكر حينما أخذتنى معك إلى المنصورة أرض طفولتك لأتعرف على شيراز وإلهام وأبناء خالك؟ لقد كنت صغيرة لكنني حينما كبرت فهمت كيف يتبدل كل شيئ.. شوارع طفولتنا تضيق علينا .. أحلامنا الطفولية تكسرت و استبدلناها بسخرية تزداد كلما زادت سنوات عمرنا.. صورنا تتغير إلى حد أننا لو نظرنا لأنفسنا لن نتذكر كيف تحولنا بتلك الطريقة الشيطانية.. عجيب هذا الكون.. غموض قاسي أليم والمصيبة أننا سنموت يوماً دون أن نفهم .. دون أن نتعلم.. وستظل علامات الاستفهام خالدة تؤرق منام شاب آخر يحسب نفسه ذكياً .. وستؤرق منام أحفاده وأحفاد أحفاده إلى يوم الحساب..! 
لقد كانت الطفلة الشبحية شيراز محقة.. نعم لن يعود الزمان كما كان أبداً لقد أصبحنا نحمل تراث البالغين الفاسد..

هناك في جانب النجوم لم تعرف لك آثاماً لكنك تعلم الآن أن اثمك الشنيع هو تركنا وحيدين دونك والآن فقط لوسيفر بآثامك سيسعد و قلبه سيطرب .. الآن فقط ربما يعود لوسيفر لجانب النجوم ويفتح "كشك" كتب ليبيع حكاياتك معه و ربما سيساعده خرياسوس في تدوين حكايات أخرى عنك لا يتضمنها سرقتك للمربى في بيت خالك.. الآن فقط ستختفي خطابات سالم وسلمى من عالمنا لتُرسل إلى رفعت اسماعيل آخر سيبقى حياً في عالم موازي أفضل من عالمنا .. الآن سأذهب للبحث عن عزت و ربما أقتنيتُ تمثال لجزرة مصابة بسرطان البنكرياس ليصبح من مقتنياتي.. الآن فقط سأعود طفلة وحيدة كالحنكليس الذي لا أعرف ماهو كما كنت وأنا ذات ثماني سنوات.. سأظل أقرأ كل مغامراتك القديمة كلما شعرت بالغربة وسط ذلك العالم المليئ بأشخاص أوغاد يتكلمون بثقة بالغة إلى حد أن كلامهم صار بـ رأس وعنق وذيل .. صار ثلاثي الأبعاد.. أعيد حكاياتك كخطابات قديمة هي كل ما تبقى من حبيبٍ رحل قبل رحيلي و لم أكن أعرف أن ذلك سيحدث.. ولكنك رحلت وأنا من كنت ساذجة .. ساذجة جداً .. أكثر منك.


ومازلتُ أصر أنني لن أقول لك وداعاً أيها الغريب .. لأنني الغريبة في هذا العالم دونك ...